top of page

العدل

قال تعالى: " إن الذين يكفرون بايات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يامرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم (21) " آل عمران.

 

قال تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعماً يعظكم به ان الله كان سميعاً بصيرا(58) " النساء.

 

قال تعالى: " وان تقوموا لليتامى بالقسط وماتفعلوا من خير فان الله كان به عليماً (127) " النساء.

 

قال تعالى: " يايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنياً او فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلوا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيراً (135) " النساء.

 

قال تعالى: "يأيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون (8) " المائدة.

 

قال تعالى: " وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين (42) " المائدة.

 

قال تعالى: " وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115) " الانعام.

 

قال تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى احسن حتى يبلغ اشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) " الانعام.

 

قال تعالى: " ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا فى الارض مفسدين (85) " هود.

قال تعالى: " وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدرعلى شئ وهو كلّ على مولاه اينما يوجهه لا يات بخير هل يستوى هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم (76) " النحل.

 

قال تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاءٍ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون (90) " النحل.

 

قال تعالى: " وافوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير واحسن تأويلا (35) " الاسراء.

 

قال تعالى: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين (47) " الانبياء.

 

قال تعالى: " أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين (181) وزنوا بالقسطاس المستقيم (182) ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا فى الارض مفسدين (183) " الشعراء.

 

قال تعالى: " والسماء رفعها ووضع الميزان (7) الا تطغوا فى الميزان (8) واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)" الرحمن.

 

قال تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين (8) " الممتحنة.

 

قال تعالى: " فلذلك فادع واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم وقل ءامنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير (15) " الشورى.

 

قال تعالى: " ولقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى عزيز (25) " الحديد.

 

قال تعالى: " الله الذى انزل الكتاب بالحق والميزان ومايدريك لعل الساعة قريبُُُ( 17) " الشورى.

 

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله (ص): " إن المقسطين عند الله على منابر من نور الذين يعدلون فى حكمهم واهليهم وما مالوا " رواه مسلم.

 

وعن عياض رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: " أهل الجنة ثلاث - ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل ذى قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال " رواه مسلم.

 

وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال: ان النبي (ص) قال: " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل.......الى اخر الحديث " متفق عليه .

 

وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله (ص): " احب الناس الى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً امام عادل وابغض الناس الى الله تعالى وابعدهم منه مجلساً امام جائر "رواه الترمذى والطبري.

 

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (ص):" يوم من امام عادل افضل من عبادة ستين سنة " رواه الطبرانى.

 

وعن ابى هريرة رضى الله عنه عن النبى (ص) انه قال: "ما من امير عشيرة الا يؤتى مغلولا يوم القيامة حتى يفكه العدل او يوبقه الجور " رواه البزار والطبرانى.

 

وعن بريدة رضى الله عنه قال النبى (ص): " القضاة ثلاثة _ واحد فى الجنة واثنان فى النار، فاما الذى فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار " رواه ابو داود والترمذى وابن ماجه.

 

وعنه انه قال (ص): " ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده " او كما قال (ص).

 

 

 

 

العدل : المعنى لغوياً :-

 

عَدْل:  اى انصف واعطى المرء ماله واخذ منه ما عليه وتقال عن المرأة عَدْل وعدْلة.

والعادل تقال عن الواحد وغيره.

 

والعدل: بمعنى النظير والمثل والجزاء والفداء، قال تعالى: " ولا يقبل منها عدل " اى فداء.

 

وعديل الرجل زوج اخت امراته ، والمعادلة فى الرياضة المتساوية الطرفين .

 

وعَدَلَ: بفتح الدال وليس تسكينها... هو الميل ويقال عَدَل عن الطريق اى حاد عنه .

 

واعتدل: توسط بين حالين فماء معتدل بين الحار والبارد.

 

 تعادلا اى تساويا.

 

القسط: اى العدل، يقال ميزان قسط وموازين قسط، قال تعالى: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ".

 

ويقال قسط فلان اى عدل ، ويقال أقسط فى حكمه اى عَدْل فى القسمة والحكم.

 

قال تعالى: " فان فإت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ".

 

وقَسَطَ الشئ اى جزءه اجزاء متساوية.

 

وأقسطوا المال بينهم: قسموه على العدل والصراط.

 

والمقسط من اسماء الله الحسنى .

 

والقاسط : اى الظالم ، وجمعها قاسطون.

 

قال تعالى: " وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" سورة الجن.

 القاسطون الجائرون عن الحق الناكبون عنه بخلاف المقسط فانه عادل. 

 

والقسطاس: اضبط الموازين واقومها، قال تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم".

 

اما وزن: اى قدر الشئ بواسطة ميزان ليعرف ثقله او خفته وقدره.

 

ووازن بين شيئين اى ساوى وعادل بينهم .

 

ويقال اتزن العدل: اى اعتدل وصار متوازناً وتساوت كفتاه ومنها التوازن الاقتصادى والميزانية والموازنة الى اخره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"العَدْل"

 

العدل......... ضد الجور وهو الاعتدال والاستقامة والميل الى الحق .

والعدل شرعاً.. هو الاستقامة على طريق الحق باجتناب ما هو محظور ديناً وشرعاً.

 

والعدل فى اصطلاح الفقهاء: استواء المرء فى دينه واعتدال اقواله وافعاله فهو عَدْل.

 

والعدل أساسه الصلاح في الدين واجتناب المحرمات فهو من اكمل الفضائل وأجملها، به تتألف القلوب وتنتشر المحبة، فيبعث على الطاعة وتعمر به البلاد ويسعد به العباد، وتنمو به الاموال ويأمن به الانسان والسلطان.

 

 

عندما جاء المرزبان رئيس المجوس الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وراه نائماً لا حارس له فقال: عَدْلت...  فأمنت..... فنمت.

 

 

فالعدل اطمانان للراعى والرعية وآمن وآمان لكل منهم، به تصلح شئون البلاد والعباد.

 

 

عن عروة عن عائشة الصديقة بنت الصديق ان امراة سرقت فى عهد رسول الله (ص) فى غزوة الفتح ففزع قومها الى اسامة بن زيد رضى الله عنه يستغيثون به، قال عروة فلما كلمه اسامه فيها ( اى كلم رسول الله فى المرأة ) تلون وجه رسول الله (ص) وقال: اتكلمنى فى حد من حدود الله تعالى، فقال اسامة رضى الله عنه: استغفر لى يا رسول الله، فلما كان العشى قام رسول الله (ص) خطيبا: فأثنى على الله بماهو اهله وحمده ثم قال " اما بعد.. فأنما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد، والذي نفس محمداً بيده لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" رواه البخارى.

 

وفى يوم بدر كان العباس عم رسول الله (ص) ضمن الاسرى فى وثاقه يئن، فأرق النبى (ص) فسُئل عن سبب ارقه اى عدم نومه وقد نصره الله نصراً مؤذراً، فقال (ص): " سمعت أنين العباس فى وثاقه "، فاسرع بعض المسلمين لما سمعه وحل وثاقه وعاد فأخبر النبى (ص) انه حل وثاق العباس، فقال(ص): اذهب فافعل ذلك بالاسرى كلهم.

 

فما أروع قصص العدل والعادلين واطيبها على النفس، تأنس بها النفوس وتهدأ بها الجوارح، فالى حديث العدل.....

 

قال (ص): " ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات فاما المنجيات فالعدل فى حالة الغضب والرضا، وخشية الله تعالى فى السر والعلانية، والقصد فى الغنى والفقر.. اما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء بنفسه"

 

فان اول المنجيات بعد الايمان بالله .. العدل ... والايمان بالله من العدل ، فهل يعقل عقلاً ان يخلق سبحانه ويرزق سبحانه ويعبد غيره .. اهذا من العدل !

 

فعلى العبد ان يستعمل العدل فيما يلى :

 

 اولا : بينه وبين ربه رب العزة جل وعلا:

 

بمعرفة أحكامه وتطبيقها بالعمل بها فاعظم الحقوق على الاطلاق حق الله على عباده بان يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.

 

قال تعالى: " وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون ".

 

وقال تعالى: " وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ".

 

وفى الحديث المتفق عليه عن معاذ بن جبل رضى الله عنه ان رسول الله قال : " حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً".

 

فمن قام بهذا الحق فعبد الله وحده وقام بحقوقه مخلصاً لله فقد قام باعظم واجل العدل ومن صرفه لغير الله فقد جار وظلم واستحق عقوبة الله وغضبه.

 

 

ثانياً: ان يعدل مع نفسه:

وذلك بحملها على ما فيه صلاحها وكفها عن القبائح، ثم الوقوف فى احوالها على اعدل الامرين بين التجاوز والتقصير، فان التجاوز فى الاحوال جور على النفس، والتقصير فيها ظلم لها لمنعها من كمالها وحقوقها ومن ظلم نفسه فهو لغيره اظلم ومن جار على نفسه فهو على غيره اجور، لانه من لم يراعى حقوق نفسه فهو لحق غيره اضيع فان الظالمين الذين ظلموا انفسهم.

 

ثالثاً: عدل الانسان مع غيره فيمن دونه:

وهذا كعدل السلطان مع رعيته والرئيس مع مرؤسيه باتباع الامر الميسور لهم وترك الامرالمعسور عليهم وترك التسلط والقهر والكبر والقسوة وابتغاء الحق والعدل فيهم، قريبهم وبعيدهم، غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، شريفهم وصغيرهم، وان يكونوا فى هذا سواء.

 

 وان لا يقصر فى واجبه نحوهم وان لا يهمل فيما ينمى ويرقى عقولهم وابدانهم واخلاقهم، وان يحفظ عليهم اموالهم ودمائهم واعراضهم، ويكون لهم عوناً ومثلاً أعلى على للعدل والإنصاف..... فإذا صَلُح الراعي صلحت الرعية وإذا فسد فسدت الرعية.

 

قال عمر رضى الله عنه: " والله لوعثرت بغلة فى العراق لوجدتنى مسئولاً عنها، فقيل لماذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال لانى مكلف بإصلاح الطريق ".

 

وروى أن يهودياً شكا علياً الى عمر فى خلافته رضى الله عنهما فقال عمر لعلى بن الخطاب قف بجوار خصمك يا ابا الحسن فوقف على رضى الله عنه وقد علا وجهه الغضب، فبعد ان قضى الخليفة بينهما بالعدل قال: اغضبت يا على ان قلت لك قف بجوار خصمك، قال على: لا والله يا أميرالمؤمنين ولكن كونك كنيتنى بابى الحسن، فخشيت من تعظيمك اياى امام اليهودى ان يقول ضاع العدل بين المسلمين.

 

فانظر الى حرصهم على العدل رضى الله عنهم والحقنا بهم فى موكب العدل والتقوى والصبر موكب الايمان.

 

ومن العدل ان يستنيب لكل عمل الأكفأ، الامين التقى، ويحذر أن يولى رجل وفى الرعية خير منه وهو يعلم..

 

عن بن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول اله (ص): " من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " رواه الحاكم.

 

وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله (ص): " أحب الناس إلى الله يوم القيامة وادناهم منه مجلساً امام عادل، وابغض الناس الى الله تعالى وابعدهم مجلساً امام جائر " رواه الترمذى والطبرانى.

 

ان الشريعة الاسلامية عنيت عناية خاصة بالعدل فى القضاء عنايتها بكل ما هو دعامة لسعادة الحياة واستقرار المجتمع، قال تعالى: " وان حكمت بينهم فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين "، وقال تعالى: " وأقسطوا ان الله يحب المقسطين ".

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله (ص) : " ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون فى حكمهم واهليهم وما مالوا " رواه مسلم والنسائى.

 

وقال تعالى : " يا داود انا جعلناك خليفة فى الارض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26) " ص.

 

ومن العدل فيمن دونك العدل مع الاولاد والاهل والاقرباء والقيام بحقوقهم على اختلاف مراتبهم، لتقوية روابط المحبة والبر بصلة الرحم والتعاطف والتكاتف والتساعد على مصالح الدنيا والدين، وذلك هو العدل.

 

عن بن عمر رضى الله عنهما ان رسول الله (ص) قال: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع فى مال سيده ومسئول عن رعيته كلكم راع ومسئول عن رعيته" رواه البخارى ومسلم.

 

وعن أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله (ص): " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ام ضيع " رواه بن حبان.

 

قال تعالى: " إن الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعماً يعظكم به ان الله كان سميعاً بصيراً (58) " النساء.

 

فى الاية الكريمة امر من الله تعالى بأداء الامانات الى اهلها....
 

قال (ص): " أد الامانة الى من أتمنك ولا تخن من خانك " رواه احمد.
وهذا يعم جميع الامانات الواجبة على الانسان من حقوق الله عز وجل على عباده من صلاة وزكاة وصيام وغيرذلك مما هو مؤتمن عليه وحقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك والامانة كل ما امر الله به وكل ما نهى عنه فهو امانة.

 

والامر الثانى فى الاية انه سبحانه وتعالى امر بالعدل والحكم بين الناس بالعدل فان الله مع الحاكم مالم يجر فان جار وكله الى نفسه وان العدل وأداء الامانة من أوامر الله وشرائعه الكاملة الشاملة العظيمة، ان الله نعماً يعظكم به، وهو من احسن ما يوعظ به المسلم ان يؤدى الامانات الى اهلها وأذا حكم بين الناس ان يحكم بالعدل " فان الله كان سميعاً بصيراً " سميعاً لاقوالكم بصيراً بأفعالكم، فسبحان سميعاً لكل شئ، بصيراً بكل شئ.

 

قال تعالى: " يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنياً او فقيراً فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلوُا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيراً (135) " النساء.
 

هذا امر منه سبحانه وتعالى الى عباده المؤمنين ان يكونوا قوامين بالقسط اى قائمين بالعدل فلا يميلوا عنه يمينا ولا يساراً ولا تأخذهم فى الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف، وان يكونوا متعاونين متعاضضين متناصرين فى العدل، شهداء لله اى ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى فتكون العدالة صحيحة خالية من التحريف والتبديل والكتمان ولو على انفسكم، اى اشهدوا بالحق والعدل ولو عاد ضرر ذلك عليكم فاذا سُئلت عن الامر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك فان الله يجعل لمن اطاعه فرجاً ومخرجاً من كل امر يضيق عليه.

 

 

وان كانت الشهادة على والديك وقرابتك فاشهد بالحق وان عاد ذلك عليهم بالضرر فلا تراعهم لغناهم ولا تشفق عليهم لفقرهم والله يتولاهما بل هو اولى بهما منك واعلم بما فيه صلاحك وصلاحهما، فلا تتبعوا الهوى اى لا يحملكم الحب والبغض والعصبية الى ترك العدل فى اموركم وشئونكم بل الزموا العدل على اى حال وفى كل حال....

 

ولا يحملكم بغض قوم على ان تميلوا عن العدل فان العدل من التقوى والله يحب المتقين ....

 

" وان تلووا او تعرضوا " فتحرفوا الشهادة وتغيرونها وتحرفونها ، والتحريف تعمد الكذب او كتمان الشهادة وتركها فان خير الشهداء الذى ياتى بالشهادة قبل ان يسئلها....

 

وان من اعرض او حرف فان الله توعده بالعذاب يوم ينفع الصادقين صدقهم بقوله ان الله كان بما تعملون خبير ،وسيجازيكم عما فعلتم حسب افعالكم واقوالكم وحرصكم او ميلكم عن العدل فسبحانه خبير بمانعمل خبير بما فى نفوسنا ومقاصدنا فان الله بما تعملون خبير...

 

قال تعالى: " يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون (8) " المائدة.

 

فان الحق والقيام به والعدل لله عز وجل لا لاجل الناس والسمعة ففى الصحيحين عن النعمان بن البشير انه قال: نحلنى ابى نحلا (اى اعطانى ابى عطية ) فقالت امى عمره بنت رواحه لا ارضى حتى تشهد عليه رسول الله (ص) فجاءه ليشهده على صدقتى، فقال (ص) اكل ولدك نحلت مثله ؟؟ قال: لا، قال (ص) اتقوا الله واعدلوا فى اولادكم وقال انى لا اشهد على جور، فرجع ابى فرد تلك الصدقة".
 

فان العدل لا يرتبط بحب او بغض.... فهو أولى.. وهو امر الله لعباده المؤمنين فى كل حال مع الصديق ومع العدو مع من تحب ومن لا تحب، فذا من افضل التقوى واقرب الى كمالها، فاتقوا الله واعدلوا بين ابناءكم ومواليكم وكل من هو تحت حكمكم لتكونوا من المتقين، من الذين يتوكلون على الله فيفعلون ما امر الله به ويتنهوا عما نهى عنه.

وقال تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتى هى احسن حتى يبلغ اشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً الا وسعها وأذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذالكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152) " الانعام.

 

وهذا كما قال تعالى: " ويل للمطففين (1) الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون (3) الا يظن أولئك انهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين (6) " المطففين.

 

فعلى المسلم المؤمن ان يجتهد فى أداء الحق والالتزام بالقسط والوفاء بالعهد، والكيل والميزان بالعدل قدر استطاعته فان أخطا بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه.... فمن اوفى على يده الميزان والكيل والله يعلم نيته فى الوفاء بهما لم يؤاخذ على ما لا طاقة له به فان الله لا يكلف نفساً الا وسعها.

 

فالعدل مطلوب لكل مؤمن فى كل وقت وفى كل حال وبعهد الله اوفوا... وصية الله لنا ان نفى بعهده سبحانه وتعالى، نمتثل لامره نطيعه فيه، ننتهى عما نهانا عنه ونعمل بكتابه وسنة نبيه عليه افضل الصلاة والتسليم... فهذا عهد الله عهد الايمان والاسلام، وهذه وصية الله لنا لعلنا نعمل ونتعظ بها، فهى ذكرى من الله لمن كان له قلب، لمن كان له عقل يعى، لمن كان يسمع، لمن اراد الآخرة وعمل لها.

 

قال تعالى: " ضرب الله مثلاً رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه اينما يوجهه لا يات بخير هل يستوى هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم (76) " النحل.

 

ضرب الله مثلاً لنا برجل ابكم لا يتكلم ولا ينطق وهو عالة وكلفه على مولاه اينما يوجهه لا يات بخير، ولا ينجح فى مسعى من المساعى... هل يستوى فى صفاته هذه مع من يامر بالعدل والقسط فمَقَالَهُ الحق وفَعَالَهُ الخير، وهو على طريق العدل المستقيم على الهدى والدين القويم وهذا المثل يصور لنا الرجل الابكم الضعيف الذى لا يدرى شيئاً ولا يعرف شيئاً ولا ياتى بخير ابداً،  وبين الرجل القوى المكلم الفقيه الأمر بالعدل والمستقيم على الهدى، على طريق الخير...
 

فهل يسوى عاقل لبيب بين هذا وذاك ؟؟ فكيف يمكن التسوية بين صنم او حجر يعبد وبين الله الحكيم العليم الخالق الهادى الى الصراط المستقيم فان فى عقول المشركين لغباء وفى عيونهم لعماء.....

 

قال تعالى: " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظُلم نفس شيئاً وان كان مِثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47) " الانبياء.

 

ان الله سبحانه وتعالى العليم الخبير، العدل الحكيم يخبرنا بانه يضع الموازين العدل يوم القيامة يوم الحساب، فلا ظلم اليوم، فالحق يحاسبنا فى يوم لا ريب فيه، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يحاسبنا بعدله فهو العدل، ورحمته فهو ارحم الراحمين.

 

قال تعالى: " ان الله لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه آجراً عظيما (40) " النساء.

 

وقال تعالى: " يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخرة او فى السموات او فى الارض يأت بها الله ان الله لطيف خبير (16) " لقمان.

 

وفى مسند الامام احمد عن النبى (ص) انه قال: " إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من امتى على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئاً ؟؟ أظلمك كتبتى
الحافظون ؟؟ قال: لا يارب.. قال افلك عذر او حسنة ؟؟ فبهت الرجل وقال: لا يارب، فيقول سبحانه: بلى ان لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقه فيها " اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله " فيقول احضروه، فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول انك لا تظلم، قال فتوضع السجلات فى كفه والبطاقة فى كفه، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل شئ مع بسم الله الرحمن الرحيم " رواه الترمذى وابن ماجه واحمد.

 

فالحمد لله رب العالمين ، الحمد لله ارحم الراحمين ، الحمد لله المقسط العادل الرحمن الرحيم.

 

قال تعالى: " فلذالك فأدع واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم وقل ءامنت بما انزل الله من كتاب وأمرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لاحجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير (15) " الشورى.

 

 

هذه الآية الكريمة اشتملت على عشرة كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التى قبلها وهى:

  1. فلذلك فادع .

  2. واستقم كما امرت .

  3. ولا تتبع اهواءهم.

  4. وقل ءامنت بما انزل الله من كتاب.

  5. وأمرت لاعدل بينكم.

  6. الله ربنا وربكم.

  7. لنا اعمالنا ولكم اعمالكم.

  8. لا حجة بيننا وبينكم.

  9. الله يجمع بيننا.

10.واليه المصير.

 

وقال تعالى: " الله الذى انزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً ".

 

يقول تعالى انه سبحانه منزل الكتاب وكل الكتب المنزلة على انبيائه بالميزان اى بالعدل والانصاف كما قال تعالى: " ولقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ".

 

قال تعالى: " والسماء رفعها ووضع الميزان (7) الا تطغوا فى الميزان (8) واقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)" الرحمن.

 

وقوله " وما يدريك لعل الساعة قريب " .... ترغيب فيها وترهيب منها وتزهيداً فى الدنيا.

 

العدل صفة المؤمن صفة عباد الرحمن الذين وقفوا على الحق ولم يحيدوا عنه بعد ان ذلت اسماعهم وابصارهم وجوارحهم لله سبحانه وتعالى، خافوا من الله فعدلوا ولم يميلوا للدنيا ابداً فمنعهم من الدنيا علمهم بالاخرة، فقالوا الحمد لله الذى اذهب عنا الحزن، فما أحزنهم ما احزن الناس ولا تعاظم فى نفوسهم من الدنيا شئ الا طلبوا به الجنة، فابكاهم الخوف من النار...

 

 

فإذا سفه عليهم السفهاء او خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً وعدلا لله، فلا يضرهم كيد الكائدين ولا حقد الظالمين، ولا يقولون الا حقاً وصدقاً وعدلا، كما أمرهم الله تعالى.

 

وقد كان الخلفاء الراشدين على نهج النيى الكريم فكانوا يامرون بالعدل ويطلبون من الرعية ان تحاسبهم على تصرفاتهم وتقومهم، فهم صحابة رسول الله (ص)، عاشوا معه، جاهدوا معه، عرفوا ان العدل اساس الحكم ورعاية الرعية.

 

فهذا صاحب رسول الله الصديق خليفة رسول الله (ص) يأمر بالعدل ويقول عندما استلم الحكم فان احسنت فأعينونى وان أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم.......

 

ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من رأى منكم فى اعوجاجاً فليقومه.
وقال رجل لعمر اتق الله يا عمر، فأجابه احد الحاضرين بقوله: اتقول هذا لامير المؤمنين، ولكن عمر نهره بتلك الكلمة _اسمع ما قال عمر رضى الله عنه – قال: لاخير فيكم ان لم تقولوها، ولا خير فينا ان لم نسمعها.

 

هؤلاء الصَحبُ الكرام فمع مواقف من عدلهم وحلمهم:

 

خرج عمر بن الخطاب يتفقد احوال رعيته فمر بعجوز فى خباء لها، فقصدها فقالت ياهذا ما فعل عمر ؟ قال قد اقبل من الشام سالماً، فقالت: لا جزاه الله خيراً، قال ولما قلت هذا !، قالت لانه والله ما نالنى من عطائه منذ تولى امر المسلمين دينار ولا درهم، قال وما يدرى عمر بحالك وانت فى هذا الموضع، قالت: سبحان الله والله ما ظننت ان احداً يَلىِ على الناس ولا يدرى ما بين مشرقها ومغربها، فقال عمر باكياً: وا عمراه كل احد افقه منك يا عمر حتى العجائز ثم قال لها يا أمة الله كم تبيعينى ظلامتك من عمر، فقالت: لا تستهزئ بى... فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها، وبينما هو كذلك اذ اقبل على بن ابى طالب وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهما فقالا السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت: وا سوأتاه شتمت أمير المؤمنين فى وجهه.... فقال لها عمر رضى الله عنه ماعليك يرحمك الله .

 

وساوم عمر رضى الله عنه رجلاً من رعيته فى شراء فرس ثم ركبه ليجربه فعطب فرده الى صاحبه فأبى صاحب الفرس ان يأخذه، فقال له عمر وهو خليفة المسلمين: اجعل بيني وبينك حكماً فرضى الرجل بقضاء شريح العراقى فتحاكما إليه، فقال شريح بعد ان سمع حجة كل منهما يا أمير: المؤمنين خذ ما اشتريت او رده كما أخذته، فأكبر عمر هذه العدالة والنزاهة فى شريح، وقال: وهل القضاء الا هكذا، ثم اقام شريحاً على القضاء فى الكوفة تقديراً لنزاهته وعدالته.

©Taqwa.Allah.wa.Hosn.Alkholok

  • Facebook Clean
  • Twitter Clean
  • White Google+ Icon
bottom of page