
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أرحم الراحمين له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... سبحانه المنعم الكريم... الوهاب الرازق الحكيم... المتفضل بنعمه على خلقه... سبحانه الخالق العظيم... والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين... اشرف المرسلين وخاتم النبيين.... الهادي الأمين... النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.....
اللهم ألحقنا به في زمرة الصالحين حزبه... حزب المؤمنين مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين... في جنة النعيم مع النخبة الفاضلة والصفوة المنتقاة... مع أفضل خلق الله .. الموصوف في كتابه الحكيم... وذكره العظيم .. وقرأنه الكريم...
" وأنـك لـعـلــى خــلــق عــظـيــم (4) " سورة الـقـلـم.
قال بن عباس: انك لعلى خلق عظيم... هو دين الإسلام.
وقال الحسن: هو آداب القرآن... وقال قتادة: هو كل ما كان يؤمر به من آمر الله وينهى عنه من نهى الله...
والمعنى أن النبي (ص) لعلى خلق عظيم... خلق آثره الله به في القرآن... فهو يتكلم بالحكمة بالقرآن ... يمشى كما أمره الله في قرآنه... يجاهد في سبيل الله أعمالا ونفاذا لأوامر الله في قرأنه... علمه الله وأدبه بآداب القرآن .. فكان خلقه القرآن .
في الصحيحين أن بن هشام بن حكيم سأل السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله (ص) فقالت: " كان خلقه القرآن ".
وقال جعفر بن محمد أمر الله نبيه (ص) بمكارم[1] الأخلاق وليس في القرآن أية اجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى : " خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين (199) " سورة الأعراف......
وقد ذكر انه لما نزلت هذه الآية قال (ص) لجبريل ما هذا؟ قال : لا أدرى حتى اسأل ... فسأل ثم رجع إليه فقال " إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك ".
وقال عبد الله بن الزبير: أمر الله نبيه (ص) أن يأخذ العفو من أخلاق الناس فيقبل عذرهم وان يتساهل معهم وان يترك التقصي والبحث عن حقائق بواطنهم... وان
يأمر بالعرف وهو كل معروف... وأعرف العرف توحيد الله بالعبادة ثم العمل بما تقضيه هذه العبودية من حقوق لله وحقوق لعباده .... وان يعرض عن الجاهلين فإذا سفه عليه الجاهل فلا يقابله بالسفه، قال تعالى: " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (63) " سورة الفرقان.
والمعنى أن يعرض (ص) عن الجاهلين مع إقامة حق الله عليه وعدم الانتقام لنفسه.....
وعن انس رضي الله عنه انه قال: " كان رسول الله (ص) أحسن الناس خلقاً " الحديث.
وفى صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: " سألت رسول الله عن البر والاثم.. فقال (ص): البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ".
والبر هو جماع الخير كله.... فهو حسن الخلق ... اى إن حسن الخلق هو جماع الخير كله... والإثم هو هواجس النفس والصدور وما حاك فيها واسترايت به.
وفى ذلك ان البر هو حسن الخلق والبر هو جماع الخير كله وحسن الخلق هو حقائق الايمان وشرائع الاسلام التى هى البر وهى جماع الدين كله ... ولهذا قابلها رسول الله (ص) بالاثم ... الذى يأثم الناس عليه وهو الباطل ... فالبر هو حسن الخلق .. هو الحق والفضل، والاثم هو الباطل .....
وفى الصحيحين عن رسول الله (ص) انه قال : " خياركم احاسنكم أخلاقاً ".
وعن ابى الدرداء رضى الله عنه عن النبى (ص) انه قال : " ما من شئ اثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وان الله تعالى ليبغض الفاحش البذئ " رواه الترمذى وصححه.
وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله (ص) عن اكثر ما يدخل الناس الجنة فقال :" تقوى الله وحسن الخلق " ، وسئل عن اكثر ما يدخل الناس النار فقال : " الفم والفرج " رواه الترمذى .
وعن ام المؤمنين عائشة رضى الله عنها ان رسول الله (ص) قال : ان اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم اخلاقا، وخياركم خياركم لنسائهم " رواه الترمذى .
وعن عائشة رضى الله عنها انه قال : " ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " رواه ابو داود.
وعن بن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله (ص) قال : " انا زعيم ببيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقاً ، وبيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وان كان مازحاً ، وبيت فى اعلى الجنة لمن حسن خلقه" صحيح رواه الطبرانى.
فجعل (ص)البيت العلوي لأعلى الدرجات... لحسن الخلق ... فهو افضلها واوسطها لمن ترك الكذب وادناها للادنى وهو ترك المراء والممارة وان كان محقاً، ولاريب ان حسن الخلق مشتمل عليها كلها... فحسن الخلق مشتمل على ترك المراء والممارة وترك الكذب كله ... فكان له المرتبة العليا ...
وعن جابر رضى الله تعالى عنه عن النبى (ص) انه قال : " ان من احبكم الى واقربكم منى مجلساً يوم القيامة احاسنكم اخلاقاً ، وان ابغضكم الى وابعدكم منى يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ... قالوا يا رسول الله علمنا الثرثارون والمتشدقون .. فما المتفيهقون[2] ؟ قال : المتكبرون " رواه الترمذى.
وحسن الخلق والاخلاق الكريمة الفاضلة لابد لها من ركائز ترتكز عليها واركان تقوم بها وتقوى لتقف وتستقيم ........
ولا يتصور قيام حسن لخلق وقيام ساقيه الا على[3] " الــصـبـر – الــعـفـة – الـشـجـاعـة – الـعـــدل "
فالـصـبر : يحمل النفس على قوة الاحتمال وكظم الغيظ والحلم وكف الاذى والرفق والتانى والآناه وعدم الطيش والعجلة ...
والـعـفـة : تحمل صاحبها على اجتناب الرزائل والطبائع السيئة من القول والعمل وتحمله على الحياء الذى هوراس كل خير وتمنعه من الفحش والبخل والكذب والغيبة والنميمة ...
والشجاعة: تحمل صاحبها على عزة النفس وايتاء معالى الاخلاق والشيم والبذل والندى الذى هو شجاعة النفس وقوتها.... فتخرج ما تحب لله وفى الله ... وتمسك عنانها وتكبح لجامها من الزيغ والطيش والتهور .
قال (ص) : " ليس لاشديد بالصرعة انما الشديد من يملك نفسه عند الغضب " .
والـعـدل: يحمل صاحبه على الاعتدال فى كل اخلاقه والتوسط فيها بلا افراط ولا تفريط[4] فيحمل صاحبه على خلق الجود والسخاء الذى هو وسط بين التقطير والاسراف وعلى خلق الشجاعة الذى هو وسط بين الجبن والتهور وعلى الحلم الذى هو وسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس فان هذه الدعائم الاربع هى منشأ الاخلاق الفاضلة ... الاخلاق الكريمة .
وكما ان الاخلاق الكريمة لها ركائزها فان سوء الخلق له دعاماته التى يقوم عليها واركانه التى هى " الـجـهـل – الــظـلـم – الـشــهـوة – الـغضـب".
فالجهل : يجعل صاحبه يرى الحسن فى صورة القبيح والقبيح فى صورة الحسن والكمال نقص والنقص كمال فالجاهل لا يعرف حقيقة الاشياء .
اما الظلم : وهو وضع الشئ فى غير موضعه ......فيغضب فى مواضع الرضا ، ويرضى فى مواضع الغضب ، ويجهل فى مواضع الأناه ، ويبخل فى مواضع البذل ، ويبذل فى مواضع البخل ، ويحجم فى مواضع الاقدام ، ويقدم فى مواضع الاحجام ، ويلين فى مواضع الشدة ، وويشتد فى مواضع اللين ، ويتواضع فى مواضع العزة ، ويعتز فى موضع التواضع.
واما الشهوة : فانها تحمل صاحبها على الشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع والذل .... وكل الدنائات ....
واما الغضب : فانه يحمل صاحبه على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه.
ولتعلم ان ملاك هذه الاخلاق الرزيلة بين اصلان اما افراط النفس فى الضعف او افراط النفس فى القوة فيتولد من افراطها فى الضعف المهانة والخسة واللؤم والذل والحرص والشح .
ويتولد من افراطها فى القوة الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش،
والوسطية التى هى امة محمد (ص).... قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً (143) " سورة البقرة ..... هى ملاك كل خلق كريم فاضل فكل خلق محمود هو وسط بين خلقين ذميمين.. فالخلق المحمود هو وسط بين طرفين ذميمين .. فالجود وسط بين البخل والتبذير، والتواضع وسط بين الذل والمهانة والكبر والعلو، والحياء وسط بين جرأءة وقحة وبين عجز وخور،
والصبر وسط بين جذع وهلع وبين قسوة قلب وغلظة كبد وتحجر طبع،
والحلم وسط بين الطيش والحدة وبين الذل والحقارة، والرفق والاناه وسط بين عجلة وطيش وعنف وبين تفريط واضاعة، والعزة وسط بين الكبر والذل، والشجاعة وسط بين التهور والجبن، والمنافسة فى المراتب العالية وسط بين الحسد والعجز والذل، والقناعة وسط بين تكالب وحرص وبين مهانة واضاعة، والرحمة وسط بين قسوة وبين ضعف قلب وجبن نفس.
فان النفس متى انحرفت عن التوسط والوسطية انحرفت الى احد الطرفين والخلقين الذميمين... وصاحب الخلق الوسط هو صاحب الخلق القويم المهيب المحبوب فهو عزيز جانبه حبيب لقاءه كما كان (ص) فمن راه بداهة هابه ومن خالطه عشرة احبه لخلقه الكريم وطبعه القويم .. فانه المثل الاعلى للأخلاق،
قـــال تـــعـالى: " وانـك لـعلـى خــلق عــــظـيــم "
فعندما سألت السيدة عائشة عن خلقه قالت " كان خلقه القران " فان النبى الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم كان مثالاً وامتثالا للقرآن امراً ونهياً سجية له وخلقاً فمهما امره القرآن فعل امره وما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق الرفيع من الحياء والكرم والشجاعة والحلم والصفح.... وكل الأخلاق الفاضلة فكان عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم... كان خلقه القرآن... فالإسلام أخلاق والإيمان أخلاق والقران أخلاق..... والعبادات في الإسلام لتعويد وتدريب النفس والمرء على ان يحيا باخلاق صحيحة... ويتمسك بها لا يحيد عنها مهما تغيرت الظروف والأحوال....
قال تعالى : "واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون (45) "
سورة العنكبوت.
فالاية الكريمة تفيد ان اقام الصلاة تشتمل على خلقين هما ترك الفواحش وترك المنكرات ....فالمحافظة على الصلاة والمواظبة عليها تحمل المرء على ترك الفحش من القول والمنكر من العمل فهى ناهية عنهما وعن بن عباس مرفوعاً " من لم تنهه صلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزد بها الا بعد من الله " رواه الطبرانى.
وعن بن عباس عن النبى (ص) انه قال : " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة .. وطاعة الصلاة ان تنهاه عن الفحشاء والمنكر ،وقال : " قالوا يا شعيب اصلاتك تامرك(87 )هود ، فقال سفيان والله تامره وتنهاه " رواه بن جرير.
قال ابو العالية عن الاية ان الصلاة فيها خصال ثلاثة فكل صلاة لا يكون فيها شئ من هذه الخلال فليست بصلاة والخلال الثلاثة هى الاخلاص والخشية وذكر الله ،
فالاخلاص يامر بالمعروف ، والخشية تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وذكر الله القرآن يامره وينهاه.
وفى الحديث الذى رواه اليزار عن النبى (ص) عن رب العزة انه قال : انما اتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى ولم يستطل على خلقى ولم يبت مصراً على معصيتى وقطع النهار فى ذكرى ورحم المسكين وابن السبيل والارملة
والمصاب " .
قال تعالى : " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
بها وصلى عليهم ان صلواتك سكن لهم والله سميع عليم (103)
الم يعملوا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده وياخذ الصدقات
وان الله هو التواب الرحيم (104)
" سورة التوبة.
ففى الايات امر من الله تعالى الى رسوله الكريم بان ياخذ من اموالهم صدقة يطهرهم بها ويزكيهم بها وهذا عام بالنسبة لكل المسلمين ثم قال سبحانه وتعالىالم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة وياخذ الصدقات فان الله من رحمته انه يتقبل التوبة وياخذ الصدقات وهما ما يحط بهما الذنوب والخطايا وتمحق وتتزكى بها النفس ونتطهر من ما علق بها من الاثام فتصفوا وتتسامى فوق الذنوب والمعاصى.
قال (ص): " تبسمك فى وجه اخيك صدقة وامرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وان سالك الرجل فى ارض الضلال صدقة واماطتك الاذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة وافراغك من دلوك فى دلو اخيك صدقة وبصرك للرجل الردئ البصر صدقة " رواه البخارى.
فالصدقات اخلاق رفيعة ... تكبح النفس وتلجمها بلجام الخير والبر والايثار ومعاونة الاخرين .... فالحمد لله الذى جعل شرائع الاسلام اخلاق .... اللهم حسن خلقنا واهدنا الى احسن الاخلاق اهدنا الى العمل بكتابك وسنة نبيك الكريم ....
وعن بن مسعود رضى الله عنه انه قال : " ان الصدقة تقع فى يد الله عز وجل قبل ان تقع فى يد السائل ثم قرأ " الم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات " الاية .
قال تعالى : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم لعلكم تتقون (183) "
سورة البقرة.
والصوم مدرسة من مدارس الاخلاق الكبرى والشمائل العالية فهو يعود النفس على الصبر وكبح جماح شهواتها ومن شواهد مدرسة الصيام الأخلاقية....
قال (ص): " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى ان يدع طعامه وشرابه " رواه البخارى.
وقال (ص): " ليس الصيام عن الاكل والشرب وانما الصيام من اللغو والرفث فان سابك احد او جهل عليك فقل انى صائم " رواه بن خزيمة.
فالصوم اخلاق واداب رفيعة ... وهو مدرسة الصبر العليا وحسن الخلق عمادة الصبر الذى يعود النفس على الحلم واحتمال الاذى وكظم الغيظ وكف الاذى والرفق والسكون والطمانينة ويعود النفس على عدم الطيش والعجلة ... وهل الاخلاق الا الاداب الرفيعة التى نتعلمها فى كل فرائض الاسلام.
قال تعالى :" الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من شئ يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقونى يا اولى الالباب (197) " سورة البقرة.
فالحج عبادة عالية سامية يترك فيها المسلم كل ما يحب من المال والملبس والرفاهية وكل ما يعود بالنفس للركون الى الدنيا ويذهب ملبياً لله طائعا لعظمته فلا يلبس الا ما يشبه الكفن ولا يقرب النساء ويترك المال والاهل والولد طاعة لامر الله بترك كل ما تتعلق به النفس و.تهواه من متاع الدنيا وزينتها ... فتتعود النفس على الصبر وتسمو الروح وتعلو الاخلاق فالحج لا رفث فيه ولا فسوق فيه ولا جدال فيه .. فالرفث هو الجماع ودواعيه من الالفاظ والافعال وفى ذلك كبح للشهوة وقيد للهوى... والفسوق هو اتيان المعاصى والسباب
" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " والتنابز بالالقاب ، فالفسوق يشمل جميع المعاصى ... فالحج مدرسة لترك المعاصى والالتزام بالوسطية فى كل الافعال والاقوال .... والرجوع الى الاخلاق الكريمة، ومن ذلك ترك الجدال الذى هو المراء بالباطل والمخاصة والمنازعة وكل ما يغضب من الاقوال.. فالحج ينهى عن كل الاخلاق الذميمة وأمر بالطاعات والاخلاق القويمة.
فالعبادات في الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج كلها روافد لتطهير النفس والقلب والبدن وتعويدها على البر والخير وحسن الخلق.. وهو ما يصون الحياة ويعلى شأنها .. فالعبادات فى الاسلام هى مدارس عالية للاخلاق الكريمة الفاضلة وهى منابع تنمى وترعى الأخلاق.....
وان سوء الاخلاق لا ينشأ الا من ضعف الايمان.
قال تعالى : " انه من يأت ربه مجرماً فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى (74) ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العللى (75) جنات عدن تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى (76) " سورة طه.
وقال تعالى : " يايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (119) " سورة التوبة.
اى اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من اهله وتنجوا من المهالك ويجعل الله لكم فرجاً من اموركم ومخرجاً ... وعن بن مسعود رضى الله عنه عن النبى (ص) انه قال " عليكم بالصدق فان الصدق يهدى الى البر وان البريهدى الى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً واياكم والكذب فان الكذب يهدى الى الفجور وان الفجور يهدى الى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً "اخرجاه فى الصحيحين .
وقال (ص): "الحياء والإيمان قرناء جميعاً فاذا رفع احدهما رفع الآخر " رواه الحاكم والطبرانى.
فالحياء قرين الايمان وهو خلق المسلم اما من لا حياء له فهو صفيق اللسان معوج السلوك لا يابه باحد فيما يقترفه من رزائل ومن كان سلوكه هذا فكل له حظا فى الاسلام ؟
وعنه (ص) انه قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيراً او ليصمت " رواه البخارى.
والاخلاق ركيزة اساسية وبناء شامخ يعلو بالانسان ليكون على منهج الله وعلى دينه وعدم الالتزام بالاخلاق وان كثرت العبادات لا يؤدى بصاحبه الى الخير...
ففي الحديث الذي رواه الإمام احمد أن رجلاً قال يا رسول الله ان فلانه تزكر من كثرة صلاتها وصيامها غير انها تؤذى جيرانها بلسانها فقال (ص): هى فى النار، ثم قال يا رسول الله ان فلانه تزكر من قلة صلاتها وصيامها وانها تتصدق بالاثوار من الاقط (قطع من الجبن ) ولا تؤذى جيرانها، قال (ص): هى فى الجنة " رواه احمد.
فقد جعل رسول الله (ص)اساس الصلاح فى الدنيا والنجاة فى الآخرة الى امر الخلق، ويستفاد من الحديث ان الايمان والصلاح والاخلاق عناصر متلازمة متماسكة لا تنفصل عراها عن بعضها البعض.
وعنه (ص) انه سأل اصحابه يوماً فقال:" أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال (ص):المفلس من أمتى من ياتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وياتى وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار " رواه مسلم.
وعنه (ص) انه قال: " الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد والخلق السئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل " رواه البيهيقى.
وعنه (ص) انه قال: " أية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا عاهد غدر وان صلىوصام وزعم انه مسلم " رواه مسلم.
فان الحياة التى يرتضيها الله لعباده المؤمنين والتى يامر بها الدين القويم الاخلاق اصلها ومنتهاها .. جاء اناس للنبى (ص) فقالوا: من احب عباد الله الى الله ؟ قال (ص) : احسنهم خلقاً " رواه الترمذى.
وسئل (ص) اى المومنين اكمل ايماناً فقال (ص) احسنهم خلقاً " رواه الطبرانى.
وعن عبد الله بن عمر عن النبى (ص) انه قال: " ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة... اعادها ثلاث... قالوا نعم يا رسول الله، فقال احسنكم خلقاً " رواه احمد.
فالدين هو الخلق وهو الخلق القويم المستقيم على صراط العزيز الحميد وهو ما بعث به النبى (ص) قال (ص):" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
فالخلق الحسن بين المسلم والمسلم من الدين والاخلاص من الدين وحسن التعامل مع عباد الله من الدين..... امتثالاً لأوامر الرحمن الرحيم وهو محور العمل... عمل الخير واداء الواجب وان الطاعات فى الدين تنقل سلوكك وتنقيه وتعده للكمال المنشود وانه لا يمحق السيئات الا الحسنات.
قال تعالى : " ان الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكرى للذاكرين (114) " سورة هود .
وقال تعالى: " والذين صبروا ابتغاء وجه الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة اولئك لهم عقبى الدار (22) " سورة الرعد... يدرءون : اى يدفعون بالحسنة السيئة لتمحها.
وقال تعالى: " أولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون (54) " سورة القصص.
وقال تعالى: " ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى احسن فاذا الذى بينك وبينه عداوة كانه ولى حميم (34) وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم (35) " سورة فصلت.
" كان خلقه القرآن"
قال تعالى : " لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة
لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (21) "
سورة الاحزاب.
امر الله سبحانه وتعالى الناس ان يتأسوا بالنبى (ص) فقال سبحانه وتعالى هلا اقتديتم وتأسيتم برسول الله... تأسيتم بأخلاقه وشمائله (ص) فى صبره ومصابرته... فى حلمه وتواضعه... في سماحته وعفوه... في رفقه ولينه... في شجاعته واقدامه... فى رحمته وحلمه... في عدله وحياءه... في أدبه وجوده وكرمه...
ان كنتم ترجون الله واليوم الاخر... ان كنتم ترجون النجاة من غضب الرحمن.. ان كنتم تريدون النجاة يوم لا ينفع مال ولا جاه.. يوم لا ينفع بنون ولا سلطان الا من اتى الله بقلب سليم ... خالى من الجهل والظلم... قلب جمح شهواته ... قلب لا يغضب الا لله، وفيما امر الله به... قلب كله حلم وصبر واناه ورفق ولين... كله عفة وحياء ... لا يقبل الفحشاء ولا يفعلها... قلب لا يبخل بعطاء لا يكذب... لا سمعة فيه ولا رياء... قلب موصول بالله خالص لله... لا يخاف الا من الله ولا يخشى فى الله لومة لائم... قلب يكظم غيظه ويعفو.... يملك نفسه عند الغضب ... قلب سخى نقى تقى... قلب جعل القرآن دستوره ونظام حياته ومعين سلوكه... قلب تخلق بخلق القرآن... خلق رسول الله......
اللهم اهدنا لاحسن الاعمال واحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها الا أنت، وقنا سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت سبحانك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] المكرمة: هي فعل الخير وجمعها مكارم ويقال ارض مكرمة اى كريمة العطاء طيبة النبات ... ومكارم الأخلاق أطيبها وأكثرها جوداً وعطاء... المحلاة بالصفح.
[2] الثرثار هو كثير الكلام بغير فائدة دينية.. والمتشدق هو المتكلم بملء فيه تفاخراً وتعاظماً وتطاولاً لإظهار فضله على غيره.
والمتفهيق : أصله من الفهق وهو الامتلاء يقال افهق الإناء اى ملأه وتفهق الشئ اى اتسع... وفى الكلام تأنق وتوسع وتنطع في كلامه وفى المشي تبختر في مشيته ويقال تفهيق علينا اى تفاخر وتعاظم علينا.
[3] من كلام بن القيم في كتابه " مدارج السالكين "باختصار.
[4] إفراط: اى افرط اى جاوز الحد والقدر فى القول والفعل، قال تعالى: " قال ربنا انا نخاف ان يفرط علينا او ان يطغى "... والتفريط من فرط فى الشئ اى قصر فيه وضيعه ، قال تعالى : " ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرط فى جنب الله " .